على حافة القيامة.. هل تجر إيران وإسرائيل العالم إلى حرب عالمية ثالثة؟
على حافة القيامة.. هل تجر إيران وإسرائيل العالم إلى حرب عالمية ثالثة؟
في لحظة تتآكل فيها الحدود بين السلم والحرب، تقف منطقة الشرق الأوسط على فوهة تصعيد خطِر، مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وتصريحات إسرائيلية تطالب بتشكيل "جبهة غربية" ضد طهران، في ظل اصطفاف قوى كبرى كالصين وباكستان إلى جانب طهران.
في منتصف يونيو، نفّذت إسرائيل عمليتها الجوية "الأسد الصاعد" مستهدفة منشآت نووية ومراكز قيادية داخل إيران، باستخدام نحو 200 طائرة مقاتلة وطائرات مسيرة. المصادر الرسمية في طهران نفت عدد القتلى، لكن المعطيات تشير إلى سقوط ما لا يقل عن 224 شخصاً بينهم علماء يشاركون في البرنامج النووي، في حين أسفرت المجزرة عن إصابة عشرات المدنيين في المواطنين الذين يعيشون قرب تلك المواقع.
لم تمضِ أيام حتى ردّت إيران بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على تل أبيب وحيفا، وتشير التقارير إلى سقوط ما بين 5 إلى 9 قتلى في إسرائيل، إلى جانب أضرار في عدد من المباني والبنى التحتية المحلية بهذا التبادل المتسارع، تحوّل التوتر إلى مواجهة جبهات، تتجاوز صراعات الوكالة إلى مواجهة مباشرة، ويبدو أن هذا المشهد أقرب إلى المشهد الذي يسبق اندلاع صراع شامل.
حرب عالمية ثالثة
الواقع الراهن يكشف عن تحالفات متعددة الطبقات لم يُشهد مثلها منذ عقود، فإلى جانب التحالف الغربي المعروف بوقوفه إلى جانب إسرائيل، يقف تحالف شرقي يتزعمه دعم الصين لإيران، مترافقاً مع موقف استراتيجي محتمل لباكستان، والولايات المتحدة، رغم انقسامات القيادات السياسية والكونغرس، تواصل تقديم دعم عسكري استخباراتي لإسرائيل، كما يظهر في المداولات التي أوردتها جهات رسمية أمريكية حينما قالت إن أي هجوم على قاعدة أمريكية سيقود إلى صدام مباشر.
في المقابل، تصنف الصين موقفها باعتباره تأييداً لا يمكن غض النظر عنه، خاصة أن نحو 30% من وارداتها النفطية تأتي من إيران، ضمن شراكة استراتيجية متعددة الأوجه لا تقل قيمتها عن 400 مليار دولار، تشمل الطاقة والموانئ والبنية التحتية، وتتطور العلاقات العسكرية بين بكين وإسلام آباد باستمرار، بما في ذلك مشاريع مشتركة لصناعة الطائرات المقاتلة وشراء التقنيات الحديثة.
هذه التحالفات الراهنة تُترجم عمليًا على مستويات متعددة بدأً من الضغط الغربي المؤقت، مرورًا بتصعيد يهدّد دول الجوار، وصولًا إلى احتمال مواجهة مفتوحة تتضمّن استخدامًا موسّعًا للأسلحة وقد تتوسّع لتشمل تدخلات غير مباشرة من الصين أو حتى باكستان، وصولًا إلى هواجس حول ردّ نووي، وهذا التعقيد البنيوي يجعل من احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة سيناريو غير مستبعد بالمرّة.
من يدفع الثمن؟
على الصعيد الشعبي، الضحايا هم من يدفع الثمن، وفقا لوزارة الصحة الإيرانية، قُتل 224 مدنياً وأُصيب نحو 1,200 شخص خلال الأيام الثلاثة الأولى من الإطار العسكري الإسرائيلي، وتشير جهات حقوقية إلى أن 90% منهم من المدنيين، أما الجانب الإسرائيلي، فخلال السنوات الأخيرة سُجل سقوط 24 مدنياً قُتلوا بصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار -من بينهم أطفال- إضافة إلى إصابة نحو 400 شخص بينهم حالات حرجة، و هذا العنف المباشر يخلّف وراءه أزمات اجتماعية: الأرقام تشير إلى ارتفاع الطلب النفسي على الخدمات في تل أبيب بنسبة 35% منذ بداية التصعيد، في حين يسجّل داخل إيران مظاهر قلقٍ متزايد، مع نية نحو احتجاجات اجتماعية بسبب ارتفاع معدلات البطالة.
تتجسّد هذه التحالفات اليوم بأبعاد متعددة تشمل تهدئة استراتيجية مدفوعة بضغط أمريكي–أوروبي لاحتواء الصراع، وتصعيد يتسم بالتدخلات العسكرية العابرة للحدود نحو سوريا ولبنان والعراق، وربما الخليج، وسيناريو أخطر يفضي إلى مواجهة مفتوحة تشمل استخدام أسلحة واسعة النطاق، وتدخلات غير مباشرة من الصين أو باكستان، وربما ردة فعل نووية، وهذا الواقع يعيد طرح فكرة اندلاع حرب عالمية ثالثة كخيار وارد في ملفات السياسة الدولية المعقدة.
صحّة هذا التصعيد تُقاس بدماء الأبرياء: وفق البيانات الأخيرة، قُتل 224 مدنياً إيرانياً بينهم 14 عالِماً نووياً، وأُصيب أكثر من ألف شخص خلال الأيام الثلاثة الأولى من الرد الإسرائيلي، في إسرائيل، سُجل قتل ما لا يقل عن 24 مدنياً وجرح نحو 400 بالهجمات الإيرانية، رغم استخدام منظومات دفاع متطورة، وهذه الأرقام لا تُقلّل من تداعيات الوضع القاتم، وفي إيران، يواجه الاقتصاد ضغطاً هائلاً، والدخل العام تراجع بنسبة تقارب 20% في ربعٍ واحد، ما أسهم في غضب شعبي ضد سياسات الحكومة، أما في إسرائيل، فسجلت تل أبيب ارتفاعًا بنسبة 35% في طلبات العلاج النفسي، بعد ذلك زاد التوتر وتحوّلت السماء إلى ميدان محتمل لهجوم مفاجئ.
اقتصاديًا، ألقَى التصعيد بظلاله الثقيلة على أسعار النفط، حيث ارتفع خام برنت من 65 دولارًا إلى 78 دولارًا ثم صعد لأكثر من 84 دولارًا، قبل أن يستقر قرب 74 دولارًا، مع الإشارة إلى أن مضيق هرمز ينقل يوميًا نحو 18 مليون برميل أي 20% من استهلاك العالم، وأي اضطراب فيه يُضاعف الضغوط على الأسواق، وارتباطًا بذلك، ارتفعت أسعار البنزين والغاز في الأردن بنسبة 12%، بينما شهدت لبنان زيادة 20% مع تثبّت أسعار الغاز المنزلي، وفق بيانات رسمية، وسلطت هذه الضربات الاقتصادية دول الموارد المحدود -خاصة لبنان والأردن- إلى إعادة ضبط ميزانياتها نحو خفض الاستثمارات الاجتماعية، ما يتنبأ بهجرة كبيرة داخلية ودولية.
الخطر ليس نظرية جغرافية وحسب، بل أرقامًا تفصح عن هشاشة الأوطان، تقارير تقدّر أن 800–1,000 مدنياً لبنانيًّا مهددون بشكل عاجل على خطوط التماس جنوب لبنان، والأردن رغم تضخم سنوي يبلغ 1.97% بين يناير–مايو 2025، صار عرضة لأزمة اقتصادية والعراق يُحاول تجنّب الانفلات الأمني حدوديًا، وفي ظل سياسة "حدود مفتوحة" للفصائل، والتي قد تكون الاحتكاك المحتمل التالي.
أما “دعوة إسرائيل لتشكيل تحالف غربي ضد إيران”، فهي دعوة معلنة لم تلقَ الصدى، وعلى الرغم من دعم واشنطن العسكري، فإن تركيزها الحالي ينحصر في تحييد الصراع عبر إعادة فتح ملف التفاوض النووي الإيراني، وأوروبا، بقيادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ترفع أصواتها بخجل نحو وقف إطلاق النار، متأثرة بالزيادة في أسعار النفط وتداعيات ذلك على النمو الاقتصادي، بينما الصين تبقى رسميًا على سياسة الحياد حيث تشتري النفط الإيراني وتوسع شراكاتها، لكن تبتعد عن فتح باب المواجهة، وباكستان، رغم نفيها الرسمي لتصريحات بشأن الرد النووي، تركت لنفسها مجالًا للاستمرار في الدعم “غير المباشر” لطهران.
اليوم، تحوّل التركيز إلى ما إذا كان بالإمكان احترام الحد الأدنى من الاحتواء، التهدئة المقبولة تشمل وقف التصعيد العسكري، والعودة لطاولة المفاوضات النووية، وفرض آليات مراقبة على الصواريخ الباليستية، وضبط النفوذ الباكستاني–الصيني، أما التصعيد المحدود، فهو اعتماد السياسة الصاروخية المتبادلة - ضربات دقيقة ومحدودة تبقى ضمن الحدود العسكرية، والخيار المعقول لدى العديد من القوى الكبرى، إذ يقدّم حلاً وسطاً بين الانفلات الشامل والزوال.
لكن في حال فشل الاحتواء، ستنزلق المنطقة إلى منطقة نزاع متكرر، يصبح فيها الاعتداء الإلكتروني أكثر فتكًا من الصاروخي.
أمام هذا المنحنى التاريخي الحاد، الشعوب في الشرق الأوسط على مفترق طرق أخلاقي وجودي.. إما التضحية من أجل سلم هش تقيد التغيير، أو إعلان "شجاعة الحرب" فالسلام اليوم لا يكفي أن يظل مجرد هدنة وسط استحقاقات الظلم الذاتي، يجب أن يواكب ضغطًا ثقافيًا وقانونيًا ودوليًا لضبط الأسلحة النووية والصاروخية، والدفاع عن مصالح الدول الضعيفة، وتفكيك المناخات التي تقود للحرب بدلًا من تنمية الإنسان.
في نهاية المسار، لا يبقى السؤال فقط إن اندلعت حرب عالمية ثالثة، بل: هل سنتوقف قبل أن تُرى كموجة من الحروب تتجاوز الشعوب في نقاط الألم النهائية؟
إيران بمفردها وإسرائيل تستقوي بالدعم الأمريكي
قال الدكتور إحسان الخطيب، عضو الحزب الجمهوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة "موراي ستيت" الأمريكية، إن التطورات الأخيرة في المنطقة لن تقود إلى حرب عالمية، رغم التصعيد بين إيران وإسرائيل، وأوضح أن إيران، على الرغم من حضورها القوي إعلاميًا واستفزازاتها العسكرية الأخيرة، تظل في النهاية بمفردها في ساحة الصراع، دون تحالف دولي حقيقي يمكن أن يشكل غطاءً استراتيجياً لها.
وقال في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن الدعم الذي تتلقاه إيران حتى اللحظة "لا يتعدى كونه معنويًا أو رمزيًا في طبيعته"، مشيرًا إلى أن المواقف المعلنة من بعض الدول لا تعني الاستعداد لخوض مواجهة شاملة إلى جانب طهران، ولفت إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا الانكفاء يكمن في ميزان القوى الدولي الذي تمسك الولايات المتحدة بزمامه، قائلاً: "لا أحد مستعد لخوض حرب ضد الولايات المتحدة من أجل إيران".
واعتبر الخطيب أن واشنطن ما تزال تتحكم بالمشهد العالمي إلى حدّ كبير، وأن معظم دول العالم، بما فيها القوى الكبرى، تربطها مصالح استراتيجية وتجارية مع الولايات المتحدة أهم بكثير من مصالحها مع إيران، ما يجعلها حذرة جدًا في طريقة تعاطيها مع الأزمة الحالية، وأضاف أن روسيا على سبيل المثال، رغم ما يُقال عن تقاربها مع إيران، تحتفظ بعلاقات متينة مع إسرائيل، موضحًا أن هناك وجودًا يهوديًا مؤثرًا داخل الاتحاد الروسي، وأن موسكو وتل أبيب نجحتا في صياغة تفاهمات معقّدة خلال السنوات الماضية، خصوصًا أثناء الحرب الأهلية السورية، حيث حافظ الطرفان على تنسيق أمني وسياسي رغم تعقيدات الميدان السوري.
وفي معرض تحليله لموقف دول الجوار، شدد الخطيب على أن هذه الدول "ما زالت تتجنّب الانخراط المباشر في الصراع" ولا تُظهر أي مؤشرات على نية تغيير هذا الموقف في المدى القريب، وعدّ إيران تخوض هذه المواجهة بمفردها حتى الآن، دون غطاء إقليمي حقيقي، ما يزيد من هشاشة موقفها العسكري والسياسي.
وفي تقييمه للموقف الإسرائيلي، قال الخطيب إن إسرائيل "لا تكترث فعليًا لأي دولة أخرى في العالم، ما دامت تملك دعمًا أمريكيًا غير مشروط"، مشيرًا إلى أن الترسانة العسكرية التي تحصل عليها تل أبيب من واشنطن تجعلها في وضع هجومي دائم، دون خوف من تبعات قانونية أو دبلوماسية، وأضاف: "الإسرائيلي يعرف أنه إذا أصبح وجود إسرائيل مهددًا، فإن أمريكا ستتدخل عسكريًا بشكل مباشر، وهذا ما عبّرت عنه الإدارة الأمريكية بشكل واضح في أكثر من مناسبة".
وأكد الدكتور الخطيب أن إسرائيل تسعى عبر تصعيدها العسكري الأخير إلى تصوير الصراع وكأنه بين "الغرب وإيران"، بهدف شيطنة طهران أمام الرأي العام العالمي، وصياغة رواية مفادها أن تل أبيب تقف على الجبهة المتقدمة للديمقراطيات الغربية في مواجهة ما تسميه “الخطر الإيراني”، لكنه يرى أن الواقع، كما تؤكده قواعد القانون الدولي، أن إسرائيل هي الطرف المعتدي، في حين أن الموقف القانوني يصبّ في مصلحة إيران، على حد تعبيره.
ومع ذلك، يضيف الخطيب، فإن النفوذ الأمريكي، وخصوصًا تأثير اللوبي اليهودي على دوائر القرار في واشنطن، هو ما يُبقي إسرائيل في مأمن من أي محاسبة دولية حقيقية، وأوضح أن هذا اللوبي يتمتع بقدرة شبه مطلقة على توجيه السياسة الخارجية الأميركية بما يخدم مصالح إسرائيل، لا سيما في لحظات التصعيد الكبرى. وتابع: "الهيمنة الصهيونية على القرار الأمريكي جعلت القانون الدولي مجرد ورقة تُستخدم عند الحاجة، لا مبدأ يُحتكم إليه في الصراعات".
وختم الخطيب تصريحه بالتشديد على أن إسرائيل لا تواجه حتى الآن أي تهديد استراتيجي حقيقي من إيران، إلا أنها تحرص على تضخيم الخطر الإيراني لتحقيق مكاسب سياسية وإقليمية ودولية، مستندة إلى غطاء أمريكي مفتوح، ومصممة على إدارة الصراع ضمن حدود تضمن استمرار التفوق العسكري والدبلوماسي لتل أبيب، ولو على حساب استقرار المنطقة بأكملها.
استقطاب عالمي يُهدد بتفجير الشرق الأوسط
بدوره، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عمرو جوهر، إنّ التوترات في الشرق الأوسط تشهد تصعيدًا غير مسبوق، في لحظة تتشابك فيها الأزمات الإقليمية مع تحوّلات كبرى في بنية النظام العالمي، وأشار إلى أنّ دعوة إسرائيل لتشكيل جبهة غربية موحّدة ضد إيران لا يمكن قراءتها باعتبارها مجرّد ردّ على تهديدات أمنية، بل كجزء من إعادة رسم خارطة التحالفات الدولية، في وقت يزداد فيه الاستقطاب العالمي حدّة.
وأوضح جوهر في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أنّ إسرائيل تُحاول اغتنام لحظة الانشغال الدولي بالنزاعات المتعددة من أوكرانيا إلى البحر الأحمر، ومن تايوان إلى غزة لحشد الغرب وراءها في معركة استراتيجية ضد طهران، في مسعى يتجاوز الأمن إلى تثبيت الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط، وأضاف أن هذه الدعوة، وإن بدت وكأنها موجهة لحماية المصالح الغربية، إلا أنها تحمل في طياتها خطر توسيع دائرة الحرب وتحويلها من صراع إقليمي إلى صراع دولي مفتوح، خاصة إذا ما تطور الوضع إلى انخراط فعلي لقوى كبرى على الأرض.
وفي ظل هذا الاستقطاب الحاد، أكّد جوهر أن ملامح تحالف دولي موازٍ تتشكّل بدعم من قوى كبرى مثل الصين وروسيا وبدرجة أقل باكستان، ما يعكس تحوّلًا عميقًا في ميزان القوى العالمي. وأشار إلى أنّ هذا التحالف لا يدعم إيران فقط سياسيًا، بل يعيد توزيع مراكز التأثير الجيوسياسي بعيدًا عن القطب الأمريكي الأحادي، فالصين، على سبيل المثال، تُعمّق علاقاتها الاقتصادية مع طهران في إطار مشروع الحزام والطريق، وروسيا تمنح إيران غطاءً استراتيجيًا في ملفات مجلس الأمن، بينما تُظهر باكستان مواقف أكثر تقاربًا مع المحور الشرقي.
وحذّر جوهر من أنّ هذا الواقع الدولي المزدوج يُذكّرنا بأجواء ما قبل الحرب العالمية الأولى، حيث أدّى التشابك بين التحالفات والتوترات الإقليمية إلى انفجار كارثي، ورغم أن أحدًا لا يسعى نظريًا لحرب عالمية، إلا أن التصعيد المتبادل، وسوء التقدير، وتنامي التحركات العسكرية في مضيق هرمز، وسوريا، واليمن، ولبنان قد يقود إلى صدام غير محسوب يُشعل مواجهة بين قوى كبرى.
أما على المستوى الإنساني، فقد شدد جوهر على أن الشعوب هي التي ستدفع الثمن الأكبر إذا ما اتسعت رقعة الحرب، وقال إنّ المدنيين في إيران، ولبنان، والعراق، واليمن، وحتى إسرائيل، سيكونون عرضة لدمار شامل ونزوح جماعي، في ظل هشاشة اقتصادية خانقة وأزمات إنسانية قد تفوق في مداها ما شهده العالم في العقدين الأخيرين، وأضاف أنّ تدفق اللاجئين إلى أوروبا سيعيد إنتاج أزمات اللجوء، ويؤجج التوترات السياسية والاجتماعية هناك، فيما ستدفع دول الجنوب، ولا سيما في إفريقيا وآسيا، ثمن ارتفاع أسعار الطاقة والقمح والوقود، ما يزيد من الجوع والاضطراب السياسي.
وفي تقييمه لدعوة إسرائيل إلى حشد غربي ضد إيران، رأى جوهر أنّ المسألة تتجاوز مجرد ردع نووي، بل هي محاولة لخلق تحالف يُعيد تثبيت المعادلات الإقليمية وفق الرؤية الإسرائيلية، وقد تُقرأ هذه الدعوة أيضًا كمناورة لجرّ الولايات المتحدة والناتو إلى مواجهة مباشرة مع إيران، ما يعزّز من فرص اندلاع صراع أوسع، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا وأيديولوجيًا أيضًا، بين محور غربي تقوده واشنطن، وآخر شرقي تقوده بكين وموسكو.
واختتم جوهر بالقول إنّ ما نشهده ليس مجرد أزمة مؤقتة، بل ملامح تحوّل استراتيجي يُنذر بتفكك النظام العالمي القديم، وبروز نظام جديد متعدد الأقطاب، وفي هذا السياق، تصبح الحروب الإقليمية كجمرٍ مخبوء تحت رماد النظام الدولي، قابلة للاشتعال في أي لحظة، في حين أن الشعوب تنتظر المصير في ظل عجز دولي واضح، وصمت أخلاقي فادح.